کد مطلب:167948 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:130

علة الانهیار المذهل و التداعی السریع
هذا الانهیار والتداعی السریع الذی هدم كیان التكتل الكبیر الذی كان قد التفّ حول مسلم بن عقیل علیه السلام كاشف تماماً عن أنّ جماهیر هذا التكتل لم تستكمل الاعداد الروحی لمثل هذه المواجهة ولما بعدها من مسؤولیات وتبعات، الاعداد الروحی الذی یستنقذها من مرض الوهن: وهو حبّ الدنیا وكراهیة الموت! وحبّ السلامة والعافیة! والرضا بالذلّة، والشلل النفسی الذی یتجلّی فی السكوت عن الباطل! بل وفی إطاعة الباطل مع المعرفة بأنه باطل ومقارعة الحقّ مع المعرفة بأنه الحقّ!

هذان المرضان اللذان تسرّبا إلی شخصیة الانسان المسلم بعد السقیفة واشتدّا فی حیاة الامّة المسلمة بعد كلّ منعطف إنحرافی تلاالسقیفة، واشتدّ هذان المرضان بدرجة كبیرة فی الشخصیة الكوفیة خاصة واستحكما فیها فی فترة ما


بعد صفّین، وخصوصاً فی الایام التی صار فیها معاویة بلامنازع ینازعه، [1] حتّی صار لكلمة (خیل الشام) أو (جند الشام) أو (جیش الشام) یومذاك أثر رهیب فی روع جُلِّ أهل الكوفة خاصة، لما ذاقوه من ویلات ومرارات علی ید ذلك الجیش، ولما عانوه فی عهد معاویة من سیاسات تعمّدت قهرهم خاصة وإذلالهم فی جمیع جوانب حیاتهم، وكانت المواجهة مع (جیش الشام) فی أذهان وقلوب جلّ الكوفیین تعنی یومذاك المواجهة مع عدوّ لایرقب فیهم إلاّ ولاذمّة، ولایتورّع عن انتهاك أعراضهم وحرماتهم وقتل العزّل والابریاء منهم، وقطع أرزاقهم ومنع العطاء عنهم.

وهذا لایعنی أنّ الكوفة قد عُدمت الاخیار الابرار من أهالیها، بل إنّ فی الكوفة، من رجالات المبداء والعقیدة والجهاد جماعة مثّلوا المستوی الرفیع فی الشخصیة الاسلامیة التی جسّدت النهج القرآنیّ فی سیرتها وسلوكها.

لكنّ هؤلاء كانوا القلّة العزیزة النادرة فی مجموع أهل الكوفة، ویكفی دلیلاً علی ذلك قیاس مجموع من نصر الامام الحسین علیه السلام منهم إلی مجموع من نكل عنه ونقض بیعته وأطاع أعداءه فی قتاله وقتله!

فلو كان التكتل الكبیر الذی بایع مسلماًعلیه السلام قد نال حظّاً وافراً من الاعداد التربوی والاصلاح الروحی لما تفرّق هذا التفرّق السریع المذهل عن مسلم علیه السلام، ولكان فیه بقیّة وافیة كافیة لانجاح خطّة مسلم علیه السلام وقهر ابن زیاد، من الرجال القرآنیین الذین لم یُضعف عزائمهم الوهن، ولم یعتورهم الشلل النفسی، الذین أحبّوا الموت والقتل فی اللّه من أجل لقاء اللّه، وكرهوا الدنیا بلاعزّة وما أثّاقلوا


إلی الارض، فكان هیهات منهم الذلّة: (الذین قال لهم النّاس إنّ الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إیماناً وقالوا حسبنا اللّه ونعم الوكیل، فانقلبوا بنعمة من اللّه وفضل لم یمسسهم سوء واتبعوا رضوان اللّه واللّه ذو فضل عظیم.). [2] .


[1] راجع تفاصيل هذه الحقيقة في الجزء الاول من هذه الدراسة؛ المقالة الاولي (حركة النفاق.. قراءة في الهوية والنتائج): ص 36-137.

[2] سورة آل عمران، 173، 174.